السبت، 28 نوفمبر 2009

دمون البلدة التي عشق أهلها قناصة (الأوعال )و تميزوا في لعبة الشبواني وتفوق أبناؤها علمياً وثقافياً




تريم/إعداد وتصوير- علي صبيح :
دمون البلدة التي تقع في الجزء الشمالي لمدينة تريم التاريخية م/ حضرموت تمتاز بفنها المعماري حيث أن جميع بيوتها مبنية من الطين ولم تغزوها الأبنية الإسمنتية إلا القليل جداً , ومحاطة من الناحية الشرقية بشريط أخضر من المزارع التي غالبية اشجارها النخيل والسدر , وهي جزء من مدينة تريم التاريخية كما أن بها أكبر مشروع مياه للشرب يغذي مدينة تريم لم تشهده على مدى التاريخ, وهي غير (دمون) الهجرين بلدة امرئ القيس في مديرية دوعن.

ودمون كغيرها من أحياء مدينة تريم يتمتع سكانها بروح الأخوة الأسلامية فهم كالجسد الواحد حتى انه يضرب بهم المثل في الحضور السريع عند النوازل والملمات , أما أعمالهم فأغلبهم يعملون في البناء والزراعة وتربية النحل وبعض الحرف الأخرى كالنجارة والحياكة ..

وبها مساجد قديمة كمسجد مشهور والسكران وشهاب الدين وبلفقيه ومسجد علي بن شيخ ووصل عدد المساجد فيها حوالي (خمسة عشر مسجداً ) ـ ثلاثة منها قيد الإنشاء ـ وأقدمها مسجد مشهور ( الجامع )و جميعها عامرة بالقرآن والصلوات وتعليم العلوم الشرعية وحلقات الذكر وبين مغرب وعشاء كل ليلة تكتض المساجد بالأولاد الذين يتعلمون القرآن على شكل حلق .
وفي دمون مدرستين للتعليم الأساسي الحكومي ابتدائي بها مايقرب من 1300 طالب و1350 طالبة على فترتبن صباحية ومسائية نظراً لضيق المبنى المدرسي وقد تخرج من المدرسة العديد من الطلاب منهم من اتجه للتخصص في الطب والهندسة او العلوم الشرعية وقد نال منهم مؤخرا البعض درجة الدكتوراه..
وأما شباب دمون فيتمتعون بثقافة إسلامية واسعة فهم مهتمون بالإطلاع والقراءة والبحث العلمي واصدار المجلات والنشرات والمطويات المفيدة واقامة الأسمار الشعرية والادبية وغيرها .وكذا الرياضة وخاصة لعبة كرة القدم حيث يوجد بها العديد من الفرق الرياضية الشعبية ابرزها : الشعب , والأحرار والعروبة وفرق صغيرة أخرى ناشئة وهم على وشك أن يلتئموا في نادي رياضي كبير ليعيدوا ماضيهم التليد في التفوق الرياضي من خلال نادي العروبة سابقاً .
وعلى المستوى العلمي والفقهي أنجبت دمون فطاحله في العلم والفقه من أبرزهم :
الفقيه سعيد بن نبهان :
هو سعيد بن سعد بن محمد بن عبدالله بن نبهان , ولد بدمون سنة 1259هـ أوائل النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري وكانت وفاته عام 1354هـ بدمون .
تعليمة : تعلم القراة ثم حفظ القرآن الكريم والتجويد ثم اتجه الى تريم لتلقي العلم على مشايخها وعلمائها وفي مقدمتهم العلامة عبدالرحمن بن محمد المشهور والشيخ أحمد بكري الخطيب وقد أخذ عنه العلامه علي بن عبيد بن علي موسى باغوث وعلي بن شيخ بن علوي بن شهاب وذلك في رباط تريم حيث كان له حلقة خاصة وكان من تلاميذه أيضاً الشيخ : سالم بن سعيد بكير باغيثان وغيرهم . ومن مؤلفاته رحمه الله :
هداية الصبيان في علم التجويد ( ارجوزة )
تحفة الوليد في علم التجويد
عقد الدرر في علم التوحيد ( ارجوزة )
المعلم عبدالحق :
وهو سعيد بن عبيد بن مبارك عبدالحق , ويتصل نسبه بالمشائخ آل عبدالحق من حوطة الفقيه علي بالإقليم الواحدي من جنوب اليمن .
وقد هاجر جده مبارك إلى تريم المدينة لطلب العلم في نهاية النصف الأول من القرن الثاني عشر الهجري على أوثق الأقوال وأشهرها .
وكان مولد المعلم عبدالحق في اليوم السادس من شهر رمضان سنة 1213هـ وفي تريم تلقى تعليمه اللغوي والديني , غير انه غادر تريم في شبابه ـ هو وأمه ـ إلى بلدة دمون , الواقعة إلى الجانب الشرقي لتريم إغراء قبيلة آل سلمه التميمية , سكان دمون , وذلك ليفتح بها مدرسة قرآنية لأبنائها وأبناء قبائل تميم الأخرى القاطنة في القرى المجاورة لدمون , وليكون إماماً وخطيباً لمسجد جامع دمون .

وكثيراً ما يطلق المعلم اسم الشحره على بلدة دمون لكونها قائمة بسفح جبل قريباً من أحد أخاديد الماء التي تعرف عند أهل حضرموت بالشحره . واحياناً يطلق على دمون اسم " الشعب " لكونها أحد شعاب الجبل ـ وتوسعت مبانيها وامتدت ليصل توسعها شمالاً الوادي وقرب " الغبرة" وجنوباً لصقاً بمدينة تريم وشرقاً وصل زحف المباني على المزارع المحيطة بها ـ التي بها بيته وجامع " مشهور " الذي كان إماماً وخطيباً ومعلماً للصبية أبناء دمون فيه . " ولقيامه بمهمة التعليم في دمون اطلق عليه الأهالي لقب " المعلم " وقد لصق به هذا اللقب وأصبح في وقته دالاً عليه وحده في دمون بل وفي الإقيم الحضرمي بأجمعه.
وأشعار المعلم على كل لسان في هذه البلدة ويحفظ ويردد آل تميم بعض قصائده التي خلّد مدحهم فيها , وللمعلم ديوان كامل كاد أن يضيع فقد أخبر مقدم دمون سالم بن عوض سلمه أنه علم مستشرقاً هولندياًَ يدعى لندبرج اشتراه من أحد الحضارم باندونيسيا أيام احتلال الهولنديين لها وفي صفحة 68 من كتابه " مختارات من الأدب العامي الحضرمي " ( الجرء الانجليزي ) يلمح الدكتور سارجنت إلى ديوان المعلم عبدالحق موجود بمكنتبة ليدن بهولندا . ( محمد عبدالقادر بامطرف : الشاعر الشعبي الأول " المعلم عبدالحق
يقول في وصفه للقنيص :
نزهي له بكم من شبك ظاني نشــله مغزّل زين لمياح لي مكثُوب غذلــه
زهي بالقُطب والطُوع لي مـا قُول مثله ولو ما لقُطُب ماحد صنع بندق ونصله
ولو ما الطوع ما حّد غرس في الأرض نخله أنا لو خيرّرونا ثلاثين ألف نـــخله
جزاز صرف مــا خلطَهن صُفر وبقلـه تخيرت الشبك شُوف أمياحه وغزلــه
من أبرز الألعاب التي تمارس :
رياضة القنيص :
تتميز دمون كغيرها من قرى م/حضرموت ببراعة أهلها في فن ( القناصة ) قناصة الأوعال من الجبال البعيدة وهي سياحة جبلية لايزال الأهالي محافظين عليها حيث يستمر ذهابهم للجبال تقريباً اسبوع بحثاً عن الأوعال بطريقة منظمة ـ منها ماهو عن الطريق الشباك ومنها ما هو بواسطة الرصاص الحي ـ وإذا ما غنموا شيئاً يأتون ويستقبلهم الأهالى عند مدخل الوادي مرحبين بهم وهم يرددون الأشعار وبعدها تحدد امسية للعب والقفز برأس ( الوعل) . تسمى " الزف " بقرون الوعل ..( كما يظهر بالصورة )
حتى أن عاشق رياضة القنيص ربما يترك عمله ومهامه من أجل حضور هذا الحدث يقول المعلم في ابيات :
أنا لوخيرونا ثلاثين ألف حمراء
تخيّرت الجبل شوف حصيانه ولمرا
أنا قلبي غني لومعي في الدار مصرى
يفوت المال والتالية نمشي لشبرا
لو أن الأقدار خيرته بين ثلاثين ألف نخله من جنس الحمراء الشديدة الحلاوة ,لما أختار غير الجبل بحصيه واحجار مروه ..
لكنه مع تقدم السن به ضعفت بنيته ولم يعد يهمه من أحداث عصره إلا رياضة القنيص المحببه إلى قلبه , وبحكم خبرته السابقة في المسالك الجبلية التي تسلكها الأوعال يقدم المعلم عبدالحق للرجال القناصه برامج مفصله لأيام تلك المناسبات البهيجة ويدلهم على مضان الصيد ويسمبها بأسمائها , ولايغفل أن يذكر محلات الدفئ التي تلجأ إليها القناصه عند اشتداد البرد على رؤوس الجبال , لأن رياضة الفنيص رياضه شتوية , وبحدد لكل يوم من ايام القنيص مواطن صيده الخاصة ( في جبال وشعاب وادي دمون ) قال رحمة الله :
بني مغراه شوقي لكم يا اهل العنية
ومن مسراحكم يستمع دمعي خويه
مراجزكم تشوق لمن شوقه شويّه
قروح اروامكم منها السوداء نديه
وكمن جيد عند الدّبَغ جدّد حذيّه
مع الله سعفكم خالقي رب البرية
مع جاويد , واليوم قدنا الا حويّه
ثم يصف برنامج المسراح ( الذهاب ) إلى القنيص ويلاحظ وضع المؤلف خطاً اسفل كل موطن ذكره المعلم من مواطن الصيد قال :
إلى الخُطمه فذيك الالخطم ما هي وطيه
هو الغيل البرك راس شو ما هو لويّه
عسى منُّه تقع يالعَوَل خيرة عطيِّه
ومضواكم إلى الزّيرق أحسمها ضويّه
يرنامج أول أيام القناصه :
حليمه بكرة الصبح والضوب العشيه
وفي المجحاف زف السمر بالمربعية

اليوم الثاني :
وثاني يوم مقنص حليمتنا العليه
يجي منها الذي يفرح المنصب وزيه
وعاد القُفل تفرح مناصبه الهييه
وعند الكهد ما با المباييت الدفيه
يبيّت فيه من كان ما عنده دريه

اليوم الثالث :
وثالث يوم يحفر ويكمن له سريه
لحيث الصيد يلحق طرق سمحاء بتيه
ولاله نوم , يرقد الى الشمس الضحية
ولا لفجيت روحة تقع منكم عنيه
اليوم الرابع :
ورابع يوم نرجو مع العليا الهدية
طري ياصحاب من لحم لوراك الطريّه
وفرحة لا وصلتوا واعضاكم صحيّه
اليوم الخامس وهو يوم العوده من القنيص :
ويوم الزف اوجاهكم سمحاء رضيه
وعبدالحق ما راد من قوله جزيه
سوى المطلوب عطوه من المولى غبية
يجمّلكم ويعطي العرب رحمة هنية

لعبة الشبواني :
وهي من الألعاب المنتشرة في عموم أحياء مدينة تريم الا اننا نجد أهالي دمون قد تفوقوا فيها وصارت فرقتهم من أبرز الفرق على مستوى مديرية تريم لما يتمتع به اعضاؤها من براعة واتقان هذه اللعبة
وطريقتها أنه يتم تنظيم المشاركين على شكل صفوف منتظمة واحداً تلو الآخر يتقدمهم مقدم العدة (الوالد / خميس سعيّد بن محفوظ) ويضرب على ( الطاسة ) و(المراويس ) وهم يحملون العصي ـ كأنها السيوف ـ على أكتافهم والاستماع للشعر الذي يلقى ارتجالاً ثم يردد الشعر وتتحرك الجموع صوب منصة السمر لبدء المساجلات الشعرية والتي تستمر الى وقت متأخر من الليل تتحدث عن الواقع ونقد بعض الظواهر الاجتماعية والسياسية ومدح بعض الشخصيات ,, .
وسابقاً كانت تقام لعبة الرزيح لكنها انتهت مع مرور الزمن غير أن البعض يحاول إعادتها من خلال تشجيع الشباب وعشاقها لممارستها .
المراة في دمون :
عاشت المراة ملازمة لأخيها الرجل منذ أمد بعيد مناصرة له ومكافحة معه الحياة المعيشية الصعبة فقامت بالعمل في المزرعة وعملت في ( السناوة ) ضخ الماء عبر الآبار الجوفيه عن طريق جر الحبل ورفع الماء ( بالغرب ) أناء مصنوع من الجلد وسقي المساحات الواسعة حيث النخيل والأشجار الأخرى العامرة الى يومنا هذا .. وقد سمعنا عن كثير ممن هن على قيد الجياه قصص لا تكاد تصدق من ضنك العيش وقساوة الحياة . فمثلاً امرأة تلد وليدها وهي تعمل في ( المقود ) المنحدر الذي يجر فيه الحبل لضخ الماء من البئر وقصص اخرى ..
وبحمد الله تعالى فالمرأة من حيث التزامها بتعاليم دينها الأسلامي لاتزال محتشمة بحجابها ولباسها بعيداً عن مظاهر ( الاستغراب ) والتقليد الأعمى والسفور والتبرج مما جعلها مصانه في عرضها وشرفها فهي تربي ابنائها وتعمل أعمالها اليدوية من أعمال ( الخوص ) والخياطة والتطريز وأما البنات فبحمد الله انخرطن في التعليم الأساسي والثانوي وحالياً الجامعي بعد انشاء ( جامعة حضرموت ) وكذا انشاء فرع للكلية العلياء للقرأن الكريم ( فرع البنات ) بوادي حضرموت ..وأما غالبية النساء فهن ملتحقان بصفوف محو الأمية وتعليم القرأن وتحفيظه وتعلم العلوم الشرعية الأخرى .
عادات الزواج في دمون :
كغيرها من قرى ومدن وادي حضرموت تتميز زواجاتها بالبساطة وتيسير الزواج وعدل المهور حيث يصل عدد الشباب الذين يتزوجون كل عام في دمون فقط ( 80 ) شاب وتصل ذرونها في الإجازة الصيفية وقد تبنت إحدى الجمعيات الخيرية في الوادي فكرة الزواج الجماعي الذي يصل عدد المشاركين فيه الى (200) عريس وعروس على مستوى وادي حضرموت .. وتقدم لهم المساعدات المالية ووجبة كبيرة . وهذا كان له أثر بالغ في إعفاف الشباب ومحافظتهم على دينهم ..
أهم المعالم التاريخية :
الحصون والقلاع :
حصن نافي الذي يربط الجدار الفاصل بين تريم ( الدولة الكثيرية ) ودمون ( الدولة القعيطية ) حيث البوابة الشمالية لتريم وهو حصن باق الى اليوم أما السور فقد تهدم معظمه أثناء العهد الشمولي ( الإشتراكي )

معيان الغبراء :
.. وكان في وادي دمون عيون جارية تسقي كثيراً من المزارع والنخيل والبساتين فشملها ماكان من تعدبي معن بن زتئدة بسكرها ( سد ماءها ) . من كتاب ( إدام القوت ) لابن عبيدالله السقاف
ويوجد الآن في أعلى وادي دمون ينبوع ماء يسير في خط الى أسفل ويتجمع في بركة كبيرة ثم تسقى به الأشجار ويستخدم أيضاً للغسل والسباحة ( كمنتجع ) وكذا للشرب للمغادرين إلى الجبل في مهمة قناصة الأوعال.